الشدة النفسية
التمويه لطائر الباتو
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهدينا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يسعدني أن ألتقي بكم مجدداً في حلقة جديدة من برنامج :"سنريهم آياتنا" ، والذي نستضيف من خلاله فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً بكم .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ معتز ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ معتز :
أستاذ راتب ، تحدثنا في الحلقة الماضية عن الإعجاز العلمي في خلق الإنسان ، وأعطيتنا مثلاً أن جهاز المناعة في جسم الإنسان يمنع تشكل الخلايا السرطانية عن طريق وجود قامع ، وقلت : إن هناك ما يفوق هذا القامع ، ما هو هذا الشيء ؟
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة أن هذا الجهاز هو جيشٌ بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، بينت في لقاءٍ سابق أن فيه خمس فرق ، الفرقة الأولى : فرقة الاستطلاع ، مهمتها استخباراتية ، والفرقة الثانية : مهمتها تصنيع المصول المضادة السلاح ، والفرقة الثالثة هي : المقاتلون ، والرابعة : الخدمات ، لكن الخامسة أوكل إليها مكافحة الخلايا السرطانية .
1 ـ الشدة النفسية :
قد ثبت أن في كل إنسان ملايين الخلايا السرطانية ، لكن لكل خلية قامعٌ يمنعها أن تكون فعالة ، إلا أن الشدة النفسية ؛ الخوف ، القلق ، الحقد ، الإحباط ، هذه أمراض العصر ، هذه الشدة النفسية تفك هذا القامع ، فلذلك الأزمات النفسية الحادة ، والقهر ، والإحباط ، من نتائجه الأورام الخبيثة ، لضعف جهاز المناعة ، بالمناسبة جهاز المناعة الذي أعطاه الله للإنسان ، وكرمه به ، وفضله به ، هو جهازٌ يقويه الحب ، ويقويه الشعور بالأمن ، ويقويه الشعور بالاستقرار ، ويقويه التفاؤل ، فإذا اختل الأمن ، واضطرب الإنسان ، و رأى عدواً له متربصاً بهِ ، إذا فقد الإنسانُ الأمل ، إذا امتلأ القلبُ حقداً ، يضعف هذا الجهاز ، ومع ضعف هذا الجهاز تنمو الخلايا السرطانية ، وتكون مرضاً خبيثاً قاتلاً ، فلذلك هذه الخلايا السرطانية الموجودة في الإنسان عليها قوامع تمنعها من أن تكون فعالة ، والشدة النفسية تفك هذا القامع ، وتجعل هذه الخلايا فعالة ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾.
(سورة آل عمران الآية : 119 )
الإنسان حينما يمتلئ حقداً وغيظاً ، قد يموت نتيجة هذا الألم ، بالمناسبة التوحيد هو الذي يضفي على حياة الإنسان الشعور بالأمن ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾ .
( سورة الشعراء )
تكون من المعذبين ، الموحد علاقته بالله ، يرضي جهةً واحدة ، يقبل على جهةً واحدة ، يسترضي جهةً واحدة ، يستعين بجهةٍ واحدة ، يقوى بجهة واحدة ، علاقته مع جهةً واحدة ، شيء رائع جداً ، إنسان موحد لا يعبأ بأحد ، ويقينه القطعي أن هذه الجهة العظيمة هي الله عز و جل ، لا تسلمه ، ولا تخذله ، وترحمه ، وتدافع عنه ، وتؤيده ، وتنصره ، وعلاقته معها ، وكل ما في الأرض من أشياء مخيفة ، ومن طغاة ، بيد الله وحده .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
( سورة هود )
2 ـ المواد البترولية :
الآن يفك القامع أيضاً المواد البترولية ، الذي يتعامل مع هذه المواد إن لم ينظف يديه جيداً قبل الطعام وبعد الطعام ، ريما انتقلت هذه المشتقات البترولية إلى جسمه ، من شأن هذه المواد أن تفك القامع .
3 ـ المواد البلاستيكية :
المواد البلاستيكية : نحن نعيش في عصر البلاستيك ، نشتري طعاماً حاراً بكيس بلاستيك ، المادة الحارة مع البلاستيك تذيب بعضاً من أجزاء البلاستيك ، والمادة الحامضية كذلك ، فينبغي أن نحتاط باستعمال هذه المنتجات الحديثة ، نستعملها من دون مواد حمضية ، من دون مواد حارة ، حتى نضمن ألا يدخل إلى جوفنا شيء من هذا البلاستيك ، أحياناً بعض الأواني مطلية بمادة بلاستيكية ، هذه بعد حين تذهب فيعود الإناء إلى أنه حديد فقط ، أين ذهبت هذه المادة البلاستيكية ؟ أكلناها مع الطعام ، فالمواد البلاستيكية والبترولية من شأنها أن تفك هذا القامع .
4ـ الإشعاع النووي :
بقي شيء واحد الإشعاع النووي ، هذا أيضا يفك القامع .
لكن الذي أريد أن أوضحه حول ما طلبت مني الحديث عن غدة التايموس ، أستاذ معتز ، إلى عقدين من الزمن كل كتب الطب من مئة عام تؤكد يقيناً أن هذه الغدة لا وظيفة لها إطلاقاً ، مع أنها غدة صغيرة جداً إلى جانب القلب ، الذي أوقع الأطباء في هذا اللبس أنها تضمر كلياً بعد سنتين من الولادة ، لكن المفاجأة الدقيقة أن هذه الغدة بعد اكتشاف وظيفتها الخطيرة وُجِد أنها مدرسةٌ حربية ، كما تحدثنا في لقاء سابق عن الفرقة الثالثة المقاتلة ، الأولى استخباراتية ، الثانية تصنيع معامل الدفاع ، تصنيع السلاح ، والرابعة الخدمات ، الثالثة فرقة المقاتلين ، أنت أمام إنسان معه سلاح فتاك ، لكنه جاهل ، لكنه همجي ، لا يعرف من الصديق ؟ ومن العدو ؟ الكريات البيضاء التابعة للفرقة الثالثة المقاتلة تدخل إلى هذه الغدة وتبقى سنتين ، ماذا تفعل ؟ تتعلم من هو الصديق ومن هو العدو ، كُبِّرت هذه الغدة لآلاف المرات فإذا بها كالمدرج الروماني تماماً ، والكريات البيضاء يسميها العلماء الخلايا التائية الهمجية قبل الدخول ، مصطفة على مدرجات هذه الجامعة ، ويتعلمون من هو الصديق ومن هو العدو ، أما آلية التعليم شيءٌ لا يعلمه أحد ، إلا أن هذه الكريات البيضاء تقبع في هذه المدرسة الحربية سنتين كاملتين ، ولكن لأنها جامعة لابد من امتحان ، فلا تتخرج هذه الكريات البيضاء التي مهمتها القتال إلا بعد امتحان صعب ، هناك امتحان أول تعطى هذه الكرية عنصراً صديقاً ، فإذا قتلته ترسب وتقتل عقاباً لها ، أما إذا لم تقتله تنجح وتتخرج ، امتحان ثان ، يعطى هذا العنصر ـ الكرية البيضاء ـ عنصراً عدواً ، فإذا لم تقتله ترسب وتقتل ، وإذا قتلته تنجح وتتخرج ، هذه الكريات البيضاء اسمها خلايا همجية تائية قبل أن تتعلم ، فإذا تخرجت ونجحت تسمى الخلايا التائية المثقفة ، تقبع في هذه الغدة سنتين كاملتين ، وحينما تتخرج هذه الأفواج تنتهي مهمة هذه الكلية الحربية ، وقد علّمت المقاتلين من هم الأصدقاء ، ومن هم الأعداء ، الآن تضمر هذه الغدة ضموراً كاملاً ، من يعلم الأجيال الصاعدة ؟ الوجبة الأولى ، الخريجون في هاتين السنتين تعلم الأجيال الصاعدة إلى نهاية الحياة ، أي هذا الفريق الذي دخل لهذه الكلية يتولى بنفسه التعليم.
لكن بعض العلماء يقول : بعد مضي أكثر من ستين سنة هذا التعليم يضعف ، من ضعف التعليم ينشأ ما يسمى بالخرف المناعي ، الخرف المناعي ضعف التعليم ، فصار العنصر القوي الذي يملك سلاحاً فتاكاً معلوماته ضعيفة عن الأصدقاء والأعداء ، ربما وجه السلاح للأصدقاء ، وكأن حرباً أهليةً نشبت في الجسم ، من آثار هذا المرض ، مرض الخرف المناعي ، التهاب المفاصل الرثوي ، هذا مرض منتشر في معظم أنحاء العالم ، بسبب حربٍ أهليةٍ بين الخلايا المقاتلة ومعها سلاح فتاك ، وهي جاهلة لم تتلقَ التعليم الكافي لمعرفة الصديق من العدو ، الحقيقة شيء مدهش أن هذه الغدة الصغيرة التي أجمع العلماء لمئات السنوات السابقة أنه ليس لها وظيفة إطلاقاً ، وأنا أعترض من باب الإيمان فقط ، أن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق ، ومستحيلٌ أن يخلق شيئاً زائداً ، بل إنني أعترض على أن تقول : فلان معه زائدة دودية ، أنا أقول : زائدة مدافعة ، مستحيل أن يكون في خلق الله شيءٌ زائد ، الصواب الذائدة الدودية بالذال .
على كلٍّ هذا جهاز المناعة مؤلف إذاً من خمس فرق ، فرقة الاستخبارات ، فرقة تصنيع السلاح ، المقاتلون ، الخدمات ، والفرقة التي ظهرت حديثاً ، فرقة مكافحة الخلايا السرطانية " المغاوير " ، موجود بكل إنسان خلايا سرطانية لها قامع ، القامع يمنع فعاليتها ، والشدة النفسية ، والمواد البترولية والبلاستيكية ، والإشعاع النووي ، يفك هذا القامع ، ويقود الإنسان إلى مرضٍ خبيث ، والشدة النفسية أساسها الإيمان بالله ، والتوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
الأستاذ معتز :
أساس مانع الشدة النفسية هو الإيمان بالله ، هذا ينقلني إلى نقطةٍ أخرى هي الطب في الإسلام ، ماذا تحدثنا عنه ؟
1 ـ الطب الطبيعي :
الدكتور راتب :
الحقيقة الطب في الإسلام بحث رائع جداً ، لكن أول طبٍ في الإسلام أنا أراه ، أو اسميه مجازاً الطب الطبيعي ، الطب الطبيعي أن تبذل جهداً ، النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في سفر ، أرادوا أن يعالجوا شاةً قال أحدهم : عليَّ ذبحها ، وقال الثاني : عليَّ سلخها ، وقال الثالث : عليَّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : عليَّ جمع الحطب ، فتعجبوا ، ولم يرضوا ، قالوا : نكفيك ذلك يا رسول الله ؟ قال : أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ، هذا أدب ، هذا كرم أخلاق ، لكنه في الوقت نفسه صحة ، أستاذ معتز ما سبب انتشار الأمراض الآن انتشاراً مخيفاً ؟ أنا أرى أن هذا الجسم مصمم للحركة والعمل ، كل شيء صار آلياً ، ألغي الدرج و استعيض عنه بالمصعد ، الجهود العضلية كلها توقفت ، عمل مكتبي ، حتى الغسيل أصبح آلياً ، حتى أكثر الأعمال آلية ، حتى الآن فتح النافذة يتم بمحرك ، حتى رفع بلور السيارة يتم بكبسة زر ، فصار هناك كسل ، كسل عضلي شديد جداً ، ومع الكسل العضلي هناك شدة نفسية ، هناك خوف من ضعف الإيمان ، من اقتراف المعاصي والآثام ، خوف ، وقلق ، وحقد ، وترقب ، وإحباط ، فالشدة النفسية مع الكسل العضلي وراء معظم الأمراض ، وهذا ملخص توصيةٍ لمؤتمر عقد في أوروبا حول انتشار الأمراض في العالم ، كان الجواب : الشدة النفسية مع الكسل العضلي ، لا يوجد حركة ، حياتنا كلها إما ركوب مركبة ، أو صعود مصعد ، فاستخدام المصعد وعدم الحركة والمشي وعدم الرياضة يسبب أزمات قلبية حادة ، لذلك موضوع المشي جزء أساسي جداً في الطب الوقائي .
الأستاذ معتز :
هذا هو الطب الطبيعي .
الدكتور راتب :
الطب الوقائي ، نعم ، أطباء القلب ينصحون الناس بالمشي ، فالطب الطبيعي أساسه بذل الجهد ، وكل إنسان يبذل جهداً ، أنا سمعت من طبيب نصيحة رائعة جداً ، كُلْ كل شيء ، لأن كل غذاءٍ فيه خصائص يتميز بها ، وخير غذاءٍ ما كان دواء ، وخير الدواء ما كان غذاءً ، فكُلْ كل شيء ثم ابذل جهداً ، ثم توكل على الله كي ترتاح من الشدة النفسية ، فالأكل القليل ، والجهد الكبير ، والتوكل على الله ، أحد أركان الصحة ، أو أركان الصحة تماماً ، الطب الطبيعي بذل الجهد .
النبي عليه الصلاة و السلام عندما كان في معركة بدر ، الرواحل ثلاثمئة والأصحاب ألف ، فماذا قال ؟ قال: كل ثلاثة على راحلة ، وأنا وعليٌ وأبو لبابة على راحلة أي قائد الجيش ، زعيم الأمة ، قمة المجتمع ، قال : وأنا وعليٌ وبو أأاالالاىىاهيبىرى أبو لبابة على راحلة أي نتناوب على ركوبها ، النتيجة ركب النبي عليه الصلاة و السلام ، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال عليه الصلاة و السلام ما أنتم بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكم عن الأجر ، فعلى الإنسان أن يخدم نفسه ، كان عليه الصلاة و السلام يخدم نفسه ، يرفو ثوبه ، يخسف نعله ، يكنس داره ، كان في مهنة أهله ، بذل الجهد ، رياضة ، حدثني طبيب قلب قال لي : أقل رياضة يمكن أن تمارسها ، أن تخدم نفسك في البيت ، مثلاً هناك شيء أعدته إلى مكانه ، من حين لآخر رتبت بعض الغرف، الحركة في البيت نوع من الرياضة ، فالطب الطبيعي بذل الجهد ، هذا بالميزان ، لكن بميزان الآخرة بذل الجهد عمل صالح ، تواضع ، لذلك ورد في بعض الأحاديث : "برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، وبرئ من الشح من أدى زكاة ماله ، وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله " .
هذه بعض لقطات من الطب الطبيعي ، أن يبذل الإنسان جهداً ، أي أخطر شيء بحياتنا السيارة ، السيارة تعلمنا الكسل ، فالدهون تتراكم ، والغذاء جيد ، والحركة بطيئة ، عندئذٍ تضيق الأوعية ، أو تنسد ويدخل الإنسان في أزمات كان في غنىً عنها .
الأستاذ معتز :
هي أصبحت حاجة في مجتمعنا ، ولكن على الإنسان ألا يتعود عليها.
الدكتور راتب :
ألا يكتفي بها ، لابدّ أن يمشي ، كنت مرة في أمريكا في واشنطن ، لفت نظري الشعب كله يمشي صباحاً ، الطرقات ممتلئة ، إن الرياضة شيء شائع وهي عندنا شيء قليل ، الذي عنده قناعة كافية بالحركة والمشي هؤلاء قلة في مجتمعنا .
الأستاذ معتز :
دعنا ننتقل إلى قسم آخر من الطب في الإسلام ، الطب النفسي.
2 ـ الطب النفسي :
الدكتور راتب :
الطب النفسي هو التوحيد ، لأن الإحساس بالقهر ، الإحساس بالظلم ، الإحساس بالإحباط ، اليأس ، الخوف ، الحقد ، هذه كلها أمراض مدمرة تسمى في مجموعها الشدة النفسية ، والآن كلما تقدم الطب يؤكد أن معظم الأمراض ، أحد أكبر أسبابها الشدة النفسية ، لأن الإنسان في الشدة النفسية يضعف جهاز مناعته ، قلت قبل قليل : جهاز المناعة يقويه الحب ، تقويه الثقة ، يقويه التفاؤل ، يقويه الرضا ، يقويه السكينة ، ويضعفه الخوف ، والقلق، طبيعة العصر ، هناك ضغوط نفسية كبيرة ، و كسل عضلي ، فالسؤال ، لماذا كان آباؤنا وأجدادنا أصحاء جسماً منا ؟ عندهم شيئان متعاكسان ، عندهم راحة نفسية ، الحياة بسيطة ، أي معظم التجار في دمشق قبل مئة عام العمل للعصر ، عندهم نزهة كل يوم ، عندهم درس علم بين المغرب والعشاء ، وينامون باكراً ، يستيقظون على صلاة الفجر كالحصان ، نشيط ، قوي ، الآن طبيعة الحياة قلبت المفاهيم كالعمل المضاعف ، حينما جمع بعض أساتذة فرنسا ـ ثلاثون عالماً ـ ووضعوهم في منتجع ليخبروه لماذا العنف في العالم ؟ فكانت النتيجة مجتمع الاستهلاك ، فالإنسان يرى بالدعاية ، بالطرقات ، بالشاشة ، البضاعة ، الأجهزة الحديثة رائعة جداً بعرض مغري جداً ، ودخله محدود ، فعنده ثلاث حالات ، إما أن يمد يده للمال الحرام ليقتني هذه الأجهزة ، أو يحس بالحرمان الدائم ، أو يعمل عملاً إضافياَ يلغي وقت فراغه ، على كلٍ انتهى الإنسان بهذه الحالة .
الأستاذ معتز :
سنتابع في الطب وأقسامه الطبيعي والنفسي ، وأقسام أخرى في الحلقات المقبلة إن شاء الله ، أعتقد أننا وصلنا إلى فقرة الدليل العلمي ، مازلنا في الموضوع العلمي ، ما زلنا في التمويه.
الدكتور راتب :
ما زلنا في التمويه ، هي فقرة قصيرة جداً لكنها معبرة ، هذه الفقرة متعلقة بطائر اسمه باتو ، طائر يقف على غصن ، يعيش في غابات فنزويلا ، أحد المهرة في عالم التمويه، أرياش الطائر وقشرة الشجرة التي حطّ عليها تتطابقان إلى حدٍ مبهر لا خط بين الشجرة و بين جسم الطائر ، شيء لا يصدق ، الآن لنقارن بدقة نرى على الشاشة أرياش الطائر وقشرة الشجر معاً ، الشجرة على اليسار ، والطائر على اليمين ، وكأنه غصن ، تشابه تام ، هناك علامة فارقة واحدة بتمييز الطائر ، منقاره وعيناه ، إلا أن الطائر يعرف جيداً استعمال النقش الذي عليه ، فعند الخطر يبدأ بالتمثيل ، يقلص نفسه بإغلاق عينيه ومنقاره ، وحينئذٍ لا يمكن تمييزه عن قطعة من الغصن ، يوجد هنا تصميم فائقٌ أيضاً ، فرغم إغلاق الطائر عينيه يرى ما حوله من خلال الفراغ الخاص بين جفون عينيه ، وعند ابتعاد الخطر ، يدع التمثيل ، ويرتاح ، رأيت التطابق العجيب ، وكيف أن المصمم لهذا البرنامج وضع الخط الأبيض للتفريق بين ريش الطائر وبين الشجرة ، صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ ، الله عز و جل خلق السماوات والأرض ، وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل على أنه واحدٌ .