معاني بعض الآيات في الإعجاز العلمي
النحل
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مشاهدينا الكرام أهلاً بكم إلى لقاءٍ جديد من برنامج :"سنريهم آياتنا" ، الذي يصحبنا به فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً بكم .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ معتز جزاك الله خيراً .
الأستاذ معتز :
وكما أصبح معروفاً لديكم مشاهدينا فبرنامجنا يتناول الإعجاز العلمي في كتاب الله الكريم ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
أستاذ راتب أهلاً بكم من جديد ، وكنا قد تناولنا في حلقتنا السابقة الإعجاز العلمي في خلق هذا الكون ، لقد عرضتم آياتٍ كثيرة تتعلق بهذا الموضوع ، وأريد في هذه الحلقة أن أسألكم عن بعض الآيات ، وأريد أن أبدأ بالآية التي تقول:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ .
( سورة الطارق )
ما معنى هذا الكلام ؟
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ معتز ، ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ المعنى البديهي القريب السهل القديم أن بخار الماء يصعد إلى السماء فيرجع أمطاراً ، هذا المعنى تحتمله هذه الآية ، لكن بعد حين اكتشفوا أن الموجات الكهرطيسية التي تبث نحو الفضاء الخارجي ترجع إلى الأرض ، ما الذي أرجعها ؟ هناك شيءٌ أرجعها ، اكتشفوا أن هناك طبقة في الأجواء العليا اسمها طبقة الأثير ، تعكس الأمواج الصادرة من الأرض إلى الفضاء تعكسها إلى الأرض ، ولولا هذه الطبقة ما كان بثٌ إذاعي إطلاقاً ولا تلفزيون .
الأستاذ معتز :
كل ذلك ذكر منذ أكثر من ألفٍ وأربعمئة عام في كتاب الله الكريم .
الدكتور راتب :
إذاً آيةٌ واحدة استوعبت المعاني الثلاثة ، استوعبت رجوع بخار الماء مطراً ، واستوعبت رجوع البث الكهرطيسي بثاً أعيد إلى الأرض ، واستوعبت المعنى الأخير هو أن كل كوكبٍ ونجمٍ يدور حول كوكبٍ آخر ويرجع إلى مكان انطلاقه الأساسي ، وهذه الآية لها خصوصية بالغة حيث تتحمل كل التطورات التي ظهرت في العلم ، و هذا معنى قول الإمام علي رضي الله عنه : " في القرآن آياتٌ لمّا تفسر بعد " ، هذا هو المعنى الدقيق .
الأستاذ معتز :
تحدثتم في معناها الثالث عن المدارات للكواكب ، وهو ما يجعلني انتقل إلى آيةٍ تقول :
﴿ كُلٌّ فِي فَلَك ٍيَسْبَحُونَ ﴾ .
( سورة الأنبياء )
الدكتور راتب :
اكتشفت الذرة ، ونظام الكون واحد ، بدءاً من الذرة وانتهاءً بالمجرة ، كلمة كلٌ لفظٌ في اللغة مغرق في الإبهام ، والإبهام تزداد به الكلمة شمولاً ، أي كل شيءٍ في الكون يسبح في فلكٍ حول نواة ، فالذرات فيها مدارات ، وفيها كهارب ، وفيها نواة ، ودورتها كدورة المجرات تماماً ، فكأن نظاماً واحداً انتظمت به الكائنات كلها ، كل شيء تقع عينك عليه يدور ، حتى هذه الطاولة ، حتى هذا البلور ، حتى هذا الخشب ، حتى هذا الحجر ، أي شيء خلقه الله عز وجل مؤلف من ذرات ، والذرات عبارة عن نواة ذات شحنة إيجابية ومسارات حولها فيها كهارب ، بدءاً من كهروب إلى عشرات الكهارب ، وتبدل العنصر من وضعٍ صلبٍ إلى وضعٍ غازي يكون بنقص كهروبٍ واحد .
لذلك لما سيدنا موسى ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً لعل الله بدل كهروباً واحداً .
نظام الكون رائعٌ جداً ، بل إن نظام الكون فيه شيءٌ يلفت النظر هو أن كل عنصرٍ فيه له درجة انصهار ، فلو تصورنا أن درجة واحدة تنتظم كل العناصر لكان الكون كله صلباً أو سائلاً أو غازاً ، لكن من رحمة الله بنا أنك تجد شيئاً صلباً تبني عليه ، وتجد شيئاً طرياً تجلس عليه ، وتجد شيئاً سائلاً تشربه ، وتجد شيئاً غازياً تستنشقه ، فوجود الغازات والسوائل والمواد الصلبة واللزجة في وقتٍ واحد هذا بسبب أن درجة انصهار كل عنصرٍ تختلف عن عنصرٍ آخر ، ﴿ كُلٌّ فِي فَلَك ٍيَسْبَحُونَ ﴾ ، هذه آية تنتظم كل عناصر الأرض .
الأستاذ معتز :
كنا قبل أن نكون على الهواء نتناقش ، وذكرت لي أن مجرةً في السماء اسمها عين القط انفجرت ووعدتني أن تستفيض بشرحها.
الدكتور راتب :
في الحقيقة وكالة ناسا الفضائية وهي أضخم وكالة نشرت قبل عشر سنوات في موقعها في الانترنت صورةً لوردةً جورية ، إذا تأملتها ملياً لا تشك لثانيةً واحدة أنها وردةٌ جورية ، بألوانها الحمراء الداكنة ، وبوريقاتها الخضراء الزاهية ، وبكأسها الأزرق في الوسط ، وردة جورية ، لكن لو تحققت من هذه الوردة تفاجأ أنها ليست وردةً جورية بل هي نجم اسمه عين القط ، يبعد عن أرضنا ثلاثة آلاف سنةٍ ضوئية ، ثلاثة آلاف نحن تحدثنا في حلقاتٍ سابقة أن أربع سنوات ضوئية لو أردنا أن نصل إليها بمركبةٍ أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون عام ، هذه المجرة اسمها عين القط تبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية انفجرت ، فإذا المنظر الصادر عن انفجارها وردة جورية ، شيء طبيعي ، أما أن تجد في كتاب الله الذي نزل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل ألفٍ وأربعمئة عام آيةً فيه تقول :
﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ .
( سورة الرحمن )
لو قرأت كل التفاسير لا يروى غليلك في شرح هذه الآية ، إلا أن هذه السورة تعبر عن هذه الآية أصدق تعبير ، ﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ .
الأستاذ معتز :
أستاذ راتب ، بارك الله بك ولكن دعنا نعود من الفضاء إلى الأرض هناك آية تقول :
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ .
( سورة الرحمن )
الدكتور راتب :
الحقيقة أثناء رحلات الفضاء ، وتصوير الأرض من الفضاء ، وجدوا في بعض الصور خطاً بين كل بحرين ، هذا الخط طبعاً واضحٌ جداً في قناة السويس ، و في خليج البوسفور ، و في باب المندب ، و في مضيق جبل طارق ، خط بين البحرين ليس خطاً إنما هو تباين لونين ، أي كل بحرٍ له لون ، هذه الصورة دفعت علماء البحار إلى التعمق فيها ففوجئُ في نهاية المطاف ، وأظن بعد عشر سنوات إلى أن كل بحرٍ له خصائص ، له كثافة، له مكونات ، له ملوحة ، ولا تختلط مياه البحر الأول بمياه البحر الثاني مع أنهما متصلان ، شيءٌ عجيب ، عندي صور تبين الجدار بين البحرين حتى إن بعض العلماء جاء بقصاصات كبيرة جداً وكثيفة جداً من الورق لم تنتقل للبحر الآخر ، طبعاً هذه ظاهرة علمية اكتشفها علماء البحار ، أما أن تفتح كتابنا الكريم فتقرأ قوله تعالى : ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ حار بهذه الآية علماء التفسير ، ما معناها ؟ لكن بعد هذا الاكتشاف تبين أن هناك حاجزاً بين كل بحرين ما طبيعته ؟ لا نعلم ، الحاجز مرن ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴾ .
المرج : التبدل و التغير و التحرك ، ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ ، بل إن هناك آيةً أخرى تقول :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ﴾ .
( سورة الفرقان )
أي أن أسماك المياه المالحة لا تنتقل إلى المياه العذبة ، و أن أسماك المياه العذبة لا تنتقل إلى المياه المالحة ، لذلك كانت أكبر كثافة سمك في مصبات الأنهار هي في المياه العذبة ، تبقى في المصب.
الأستاذ معتز :
إذاً وظيفة هذا البرزخ حاجز بين البحرين ، و أيضاً بين المياه المالحة و المياه العذبة.
الدكتور راتب :
البرزخ حاجز يمنع انتقال مياه البحر ، و مكونات البحر ، و كثافة البحر ، إلى البحر الآخر ، كل بحر له كثافته ، و خصائصه ، و مقوماته ، و ملوحته ، ولا يختلط البحران ، مع أنهما متصلان ، وهذه من آيات الله الدالة على عظمته : ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً ﴾ أي يمنع انتقال أسماك المياه المالحة إلى أسماك المياه العذبة ، وأسماك المياه العذبة لا تنتقل أيضاً إلى المياه المالحة ، وهذه الآية تندرج في الإعجاز العلمي الذي يعد شهادة الله لعباده أن هذا الإنسان الذي جاء بالقرآن هو رسولٌ من عند الواحد الديان .
الأستاذ معتز :
فضيلة الدكتور آيةٌ أخرى تقول :
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ .
( سورة النمل الآية :88 )
الدكتور راتب :
أولاً : نحن قد نركب طائرة صوتها يصم الآذان ، أما أن ترى أرضاً بأكملها بقاراتها الخمس تسير ، سرعة الأرض حول الشمس ثلاثون كيلو متر بالثانية ، ومنها ضجيج ، ومنها صوت ، ومنها إزعاج ، وترى الجبال تحسبها جامدة ساكنة ، وهي تمر مرّ السحاب تدور حول نفسها بسرعة ألف وستمئة كيلو متر بالساعة . كيف ؟ محيط الأرض أربعون ألف كيلو متر ، النقطة على المحيط تدور وترجع إلى مكانها كل يوم في الأربع والعشرين ساعة ، فلو قسمت الأربعين ألفاً على أربع وعشرين معنى ذلك حركة النقطة على خط الاستواء سرعتها ألف وستمئة كيلو متر بالساعة ، لو أن الهواء ثابت والأرض متحركة لكانت الرياح مدمرة لكل شيء ، إذاً هذه الآية من آيات الله الدالة على عظمته جلّ جلاله .
الأستاذ معتز :
آية أخرى تقول :
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ .
( سورة النمل الآية : 61 ) .
الآية التي ذكرناها قبل قليل : ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ .
الدكتور راتب :
الأرض تظنها جامدة لكنها تدور حول نفسها وحول الشمس ، ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ ﴾ كناية عن الأرض ، ﴿ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ .
﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ .
( سورة النمل الآية : 88 )
ما معنى مرّ السحاب ؟ هذا تشبيه ، هذه في الإعراب تأتي مفعولاً مطلقاً لبيان الكيفية ، من السحاب ملايين الأطنان تتحرك بلا صوت ، نحن المركبة لها صوت ، السفينة لها صوت ، الدراجة النارية لها صوت ، الطائرة لها ضوت ، أما الأرض تتحرك بلا صوت ، ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ ، أما الآية التي تليها :
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ .
( سورة النمل الآية :61 )
أي تضع هذا الشيء على الأرض فيبقى في مكانه ما السبب ؟ له وزن ، ما هو الوزن ؟ هو انجذاب الجسم إلى مركز الأرض ، لولا هذا الوزن الحياة لا تطاق ، رواد الفضاء في منطقة بين الأرض والقمر تنعدم فيها الجاذبية ، ينام في مركبته يستيقظ وهو في سقف المركبة ، لا يوجد شيء ثابت ، كله متحرك لا وزن له ، لكن في أرضنا والحمد لله تضع الطاولة تبقى في مكانها ، تضع الشيء يبقى في مكانه ، ترتب أثاث البيت يبقى كما هو ، تنام على السرير تستيقظ على السرير ، هذه نعمٌ قد لا نعرفها ، فالوزن هو انجذاب الشيء إلى مركز الأرض ، فلذلك الأرض مستقرة ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ .
هناك معنى آخر دقيق جداً : أن الأرض وهي تدور مستقرة ، أي يمكن أن تبقى الأرض ساكنة سكوناً مطلقاً .
أنا مرة زرت مسجداً في اسطنبول ، فأراد المرشد أن يبين دقة صنعةِ البنائين ، هناك عمود من الحجر كبير له قاعدة وله كأس ، أمسكته فدار معي لأن هناك فراغ قدره ميليمتر بين القاعدة وبين الرأس ، لولا هذا الفراغ لما دار هذا العمود ، هذا المسجد مبني من سبعمئة عام لو هبط المسجد ميليمتراً واحداً لتعذر أن يدور العمود بيدي إنسان ، ماذا نستنبط ؟ الأرض مستقرة ، تأتي الزلازل لتعرفنا بنعمة الاستقرار، أي في ثوان معدودة يجعل الله عاليها سافلها .
إذاً : ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ ، ساكنة ، الأبنية ساكنة ، لو كان هناك حركة مستمرة البناء يتصدع ، الجسور لا تستقر ، لذلك استقرار حياتنا على وجه الأرض بسبب ثبات الأرض مع أنها تدور ، ثبات مع الحركة ، قلّما تجد مركبة تتحرك من دون أن تتحرك ، تتحرك أي تنتقل من مكان إلى مكان من دون أن تضطرب ، قال الله عز وجل : ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ من جهةٍ الأجسام تنجذب إلى الأرض و لها وزن والتعامل معها مريحٌ جداً ، و من جهةٌ أخرى الأرض مستقرة ، وتأتي الزلازل لتبين نعمة الاستقرار .
الأستاذ معتز :
أستاذ راتب ، أعتقد أن الوقت قد حان لننتقل إلى المادة العلمية التي تقدمها لنا في كل حلقة ماذا لدينا لهذا اليوم ؟ .
الدكتور راتب :
الآن لدينا النحل ، الحقيقة النحل موضوع طويل جداً ، وواسع جداً ، ولكن نأخذ زاوية واحدة من زوايا صنع الله المتقن بهذه الحشرة الاجتماعية "النحل" .
الحقيقة المتعلقة ببالك هي بناء البيوت ، عند خروجنا إلى المروج في يومٍ مشمس يشد انتباهنا الجمال الآخاذ للأزهار ، وحين ندقق في هذه الأزهار عن قرب أكثر نشاهد كائناً عجيباً آخر هو النحل ، والنحل أمهر المعماريين نظاماً في الطبيعة ، تعيش النحل على شكل مستعمراتٍ ، وتنتج العسل الذي هو واحدٌ من أكبر الأغذية على وجه الأرض ، وأما العسل الذي تنتجه تخبئه في الخلايا التي تبنيها بنفسها بأشكال سداسية ، هل فكرنا لماذا أنشأ الله النحل وهذه الخلايا السداسية حصراً ؟ بحث علماء الرياضيات عن جوابٍ لهذا السؤال ، ووصلوا إلى نهايةٍ عجيبةٍ بعد حساباتٍ طويلة ، الطريقة المثلى لإنشاء خزانٍ يستهلك أقل المواد ، ويستوعب أكبر حجمٍ تخزيني ، هو أن تبنى جدرانه بشكلٍ سداسي ، لنقارن بالأشكال الأخرى ، لو أنشأت النحل خلاياها بدل السداسي بشكل أسطواني أو خماسي مثلاً لظهرت الأطراف ، أو في الأطراف فراغاتٌ لا تستخدم ، وبهذا لا تستعمل الأمكنة كلها للتخزين ، أما تخزين العسل في أقراص مثلثة أو مربعة ، فيمكن أن يكون دون أن يبقى فراغ بينها كما نرى ، ولكن هناك مغزى أدركه علماء الرياضيات ، فالشكل المسدس أقصر محيطاً من بين الأشكال الهندسية المختلفة ، لذلك على الرغم من كون هذه الأشكال بالأحجام نفسها ستكون المواد الأساسية المطلوبة في الأقراص المسدسة أقل من المطلوب في المثلث والمربع ، وباختصارٍ الخلية السداسية تؤمن أكبر مكانٍ للتخزين ، وبأقل شمعٍ ممكن ، فالنحلة تستقدم أمثل شكلٍ ممكن .
أما الخصائص المحيرة الأخرى للنحلات فتتجسد في ذلك التعاون الرائع في أثناء بناء الخلايا ، عندما يرى الإنسان خليةً أنهي بناؤها يظن أنها أنشئت كقطعة واحدة في الحقيقة ، تبدأ النحل بناء الخلايا من زوايا مختلفة ، تبدأ مئات النحل من ثلاثةٍ أو أربعة أماكن متفرقة لإنشاء الخلايا .
وباستمرار بناء الخلية تجتمع في النهاية في الوسط ، ليس هناك أي خطأً أو عدم تناسقٍ في نقطة الالتقاء ، تحسب النحل أثناء نسج الخلية الزوايا بين فتحات الخلية أيضاً ، فتحات الخلية التي تبقى ظهراً لظهرٍ، تنشأ حتماً بزاوية مائلةٍ ثلاث عشرة درجة نحو الأرض ، هذا الميل يمنع سيلان العسل وانزلاقه على الأرض ، مع أن هذه الخلايا تبنى غالباً في أماكن مظلمة لا يدخل إليها ضوء الشمس ، هناك حقيقةٌ مدهشةٌ جداً ، تظهر النحل هذه الخصائص الفائقة اعتباراً من ولادتها ، ولا تتعلم صنع الخلية أو تعيين الجهة تدريجياً بل تكون على استعداد للقيام بهذه الأعمال المعجزة بمجرد ولادتها ، من علم النحلة هذه الهندسة المعمارية ؟ لقد ورد جواب هذا السؤال في القرآن الكريم يبين الله تعالى سرّ هذه الملكة المدهشة للنحل في القرآن الكريم بقوله :
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
( سورة النحل )
هذه بعض الخصائص المدهشة للنحل الذي خلقه الله ، وأبدعه ، وقال عن عسله:
﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ .
( سورة النحل الآية 69 )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .