الطب النفسي
التمويه للأسماك
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم ، مشاهدينا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامج :"سنريهم آياتنا" ، الذي سيتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة ، يسعدني أن أرحب بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً بكم .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ معتز .
الأستاذ معتز :
أستاذ راتب ، تحدثنا في الحلقات الماضية عن الإعجاز العلمي في خلق الإنسان، وعن جهاز المناعة ، وبعض الأمور الأخرى ، وغدة التايموس ، ووصلنا من خلال هذا الحديث إلى الحديث عن الطب في الإسلام ، وتناولنا فيه أول قسم من أقسام الطب ، الطب الطبيعي ، وتحدثنا بعدها في نهاية الحلقة عن الطب النفسي ، حبذا لو نستفيض أكثر في الطب النفسي .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ معتز ، الإنسان كلٌّ لا يتجزأ ، فيه جسمٌ ، وفيه نفسٌ ، وفيه اتصالٌ وثيق بين الجسم والنفس ، فالخوف ، والقلق ، والحقد ، والحسد ، والإحباط ، والإخفاق ، هذه أمراض نفسية ، حينما تضعف النفس ينعكس ضعفها على الجسد ، ولاسيما كما قلت في حلقةٍ سابقة أن جهاز المناعة الذي أوكل إليه أمر مكافحة الأمراض الجرثومية والسرطانية هو يضعف نفسه بالخوف ، والقلق ، والحقد ، والإخفاق ، والتشاؤم ، والإرباك ، وما شاكل ذلك، إذاً حينما يتمتع الإنسان بمعنويات عالية ، بسبب إيمانه بالله ، بسبب استقامته ، بسبب توكله على الله ، بسبب يقينه أن أمره بيد الله ، وأن الله لا يُسلمه إلى غيره ، بسبب ثقته أن الله يدافع عنه ، بسبب أنه نقل اهتماماته الكبرى إلى الآخرة ، وهذه الدنيا لا تعدل عنده جناح بعوضة ، كل هذه المعطيات الفكرية والنفسية تجتمع وترفع معنويات الإنسان ، فما دام الإنسان قريباً من الله ، قوياً في معنوياته ، يقوى جهاز مناعته ، فإذا قوي جهاز مناعته فقد يحتمل ما لا يحتمله الآخرون .
لذلك الناجحون في الحياة ، هم المؤمنون بالله ، و جهاز مناعتهم قويٌ جداً ، لذلك هذا الجهاز قد يقوى على معظم الأمراض ، بينما إذا انتشر الحقد ، والخوف ، والقلق ، والإحباط في مجتمعٍ ما ، جهاز المناعة يضعف كثيراً ، لذلك الأمراض القليلة والصغيرة تقوى عليه ، الآن يقولون : إن معظم الأمراض في الحقيقة تتولد من الشدة النفسية ، قال تعالى :
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) ﴾
( سورة محمد )
يصلح حالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم ، صلاح البال من الأدعية الرائعة ، اللهم أصلح بالنا ، وبال جميع المسلمين ، الشدة النفسية خطيرة جداً ، والإنسان حينما يكون حاقداً ، أو خائفاً ، أو غاضباً ، أو حانقاً ، أو محتقناً ، هذا ينعكس على قلبه ، وعلى أوعيته ، وعلى شرايينه ، لذلك هناك في الشرايين تضيق ، وتشنج ، الشدة النفسية قد تجعل الشريان متشنجاً ، يضيق لا بفعل ترسب المواد الدهنية بل بفعل اضطرابه ، إذاً .
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
( سورة الشعراء )
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام )
هذا هو الطب النفسي .
أستاذ معتز ، التوحيد يعطي الإنسان قوة ، يعطيه تفاؤلاً ، يعطيه أملاً ، يعطيه رغبة بما عند الله ، يجعل الدنيا صغيرة عنده ، سيدنا الصديق ـ كما يروى عنه ـ ما ندم على شيءٍ فاته من الدنيا قط ، فأنا أرى أن الطب النفسي قائم على الاستقامة ، والتوحيد ، هذا شيء ملاحظ ، وشيء منتشر في العالم كله ، إن المؤمنون لهم صحةٌ متميزة ، بل إن العلماء الكبار يعيشون سنوات طويلة ، أذكر أنه في الشام عالم جليل عاش إلى الثامنة والتسعين ، وكان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه بفمه ، وما صلى قاعداً ، فكان إذا سئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ يقول : يا ولدي حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً ، عاش قوياً ، إذاً الطب النفسي ، طب التوحيد ، مثلاً أنت أمام وحوش مخيفة ، قاتلة ، مفترسة ، لكنها مربوطة ، بيد جهة رحيمة ، عادلة ، تحبك ، أنت إذاً علاقتك ليست مع الوحوش ، مع من يملكها فإن أرخى أزمتها ، وصلت إليك، وإن شدّ هذه الأزمة ، أبعدها عني ، هذا معنى قوله تعالى
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
( سورة هود )
الأستاذ معتز :
إذاً أساس الطب التوحيد ، والإيمان بالله عز وجل ، وماذا عن الطب الوقائي ؟
الدكتور راتب :
النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أمرنا بالنظافة ، والمؤمن نظيف ، و يوجد العالم الآن ثلاثمئة مليون إنسان مصاب بأمراض القذارة ، مثلاً أمرنا بالاغتسال كل أسبوع ، ولو كان الماء مداً بدينار ، غُسل الجمعة واجبٌ ديني ، الاغتسال ، تقليم الأظافر، حلق الشعر ، تنظيف الأسنان ، تنظيف البيت ، تنظيف الأثاث ، النظافة من سمات المؤمن ، والشيء المؤثر جداً أن يحتكرها أناسٌ آخرون ، المؤمن نظيف جداً في كل شؤون حياته ، ولو دققت في التفاصيل أي :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) ﴾
( سورة البقرة )
المؤمن بدنه نظيف ، ثوبه نظيف ، بيته نظيف ، مكان عمله نظيف ، أخلاقه نظيفة ، مثلاً النبي عليه الصلاة و السلام نهانا أن نشرب من كأسٍ مثلوم ، الكأس المثلوم فيه جراثيم ، فكان عليه الصلاة و السلام مثل هذا الإناء لا يستخدمه أبداً ، فهذه نظافة ، نظفوا أفنيتكم ، مثلاً : كان عليه الصلاة و السلام إذا شرب الماء بين الشربتين يبعده عن فمه ، لأنه ثبت الآن أن الزفير فيه جراثيم ، و من أحد أسباب العدوى التنفُّس في الإناء .
أيضاً : أبن القدح عن فيك ، في بعض الآثار ، بركة الطعام الوضوء قبله ، أن تغسل يديك ، أنت تمشي في الطريق ، أمسكت بأشياء غير نظيفة ، صافحت إنساناً يده غير نظيفة مثلاً ، فأنت حينما تغسل يديك قبل الطعام ، هذه نظافة ، حتى ورد ببعض الآثار ، من أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه ، من يأكل التراب ؟ أي من أكل فاكهةً من دون أن يغسلها ، كأنه أكل التراب ، أعان على قتل نفسه ، كان عليه الصلاة و السلام إذا أكل التمر يضع التمرة في فمه ، ويلتقط النواة بظاهر إصبعيه ، لماذا ؟ لتبقى باطن الأصابع جافة ، لو أمسك تمرةً أخرى ووجدها قاسية فتركها لا ينتقل لعابه إليها ، وهذه رقة بالغة جداً ، نظافة رائعة جداً ، كان يعرف بريح المسك ، نظفوا أفنيتكم ، و أصلحوا لباسكم ، وحسنوا رحالكم ، حتى تكونوا شامةً بين الناس ، الإسلام نظيف ، نظيف بكل المعاني ، نظيف بعلاقاته ، نظيف في الداخل ، المؤمن نظيف في بدنه ، نظيف في ثيابه ، نظيف في مكانه ، والنظافة من الإيمان .
الأستاذ معتز :
في أي إطار جاء معنى اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ؟
الدكتور راتب :
الإنسان عندما يتبع النعيم و يبالغ فيه ، يعود نفسه على الترف ، والانغماس في الملذات ، معنى اخشوشنوا ، أي ليكن الطعام من حينٍ لآخر خشناً ، ليكن الثوب خشناً ، عود نفسك على الدخل القليل أحياناً ، لأن الإنسان عندما يتعود على الرفاه ، وعلى البذخ والإنفاق ، والانغماس في النعيم ، يصبح عنده مشكلة ، لو أن هذا الدخل توقف ، كأن يتوقف العمل مثلاً، قد يبحث عن مالٍ حرام ، وقد ينافق ، إما أن ينافق ، أو أن يبحث عن مالٍ حرام ، لكن البطولة أن يكون الدخل حلالاً ، وقد تضيق الأمور ، لذلك من حين لآخر اخشوشنوا ، فإن النعم لا تدوم .
الأستاذ معتز :
بقي أن نتحدث عن الطب العلاجي.
الدكتور راتب :
الطب العلاجي أن تأخذ الدواء ، أخذ الدواء جزءٌ من الدين ، إلا أن هناك حالة ، هذه المرأة التي جاءت النبي عليه الصلاة و السلام وهي مصابة بالصرع ، قالت له يا رسول الله : ادعُ الله أن يشفيني ، فقال: "إن شئتِ صبرتِ ، وإن شئتِ دعوت لك ".
إذاً أشار النبي إذا كان هناك مرض عضال ، أنا لا أجبر ابنتي على أن تتبرع بكلية لأخيها ، قد تكون متزوجة وزوجها رافض لهذا ، فلما تبرعت بكليةٍ لأخيها طلقها زوجها، ثم مات أخوها ، أحياناً تبديل كبد ، زراعة كبد ، هذه تحتاج ملايين مملينة ، فهناك حالات نادرة جداً قد يكون علاجه مستحيلاً ، أنا لست مضطراً أن أربك من حولي جميعاً ، أو أن أجبر من حولي على التبرع بكلية أو بشيءٍ آخر ، على كلٍ الموضوع طويل يحتاج إلى بحث ، والمجامع العلمية بحثته ، على كلٍ المعالجة واجبة ، إذا كان هناك مرض مقبول ، علاجه معروف وثابت ، والإنسان يملك ثمن الدواء ، أو ثمن العملية ، أنا أرى أن المعالجة ترقى إلى مستوى الفرد .
الأستاذ معتز :
ما رأيك في شخص يقول : أنا أريد فقط أن أتوكل على الله ؟
الدكتور راتب :
هذا متواكل ، والتواكل مرض خطير في الإنسان ، لأن الله عز و جل ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، وأنت حينما تفهم أن لكل داءٍ دواء ، تمتلئ ثقةً بالشفاء ، وحينما يسمع الطبيب هذا الحديث يسعى جاهداً للبحث عن الدواء ، في ديننا أشياء دقيقة جداً ، وعلى كلٍ المنطلق الكبير :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾
( سورة الشعراء )
أي أصل المرض من خلل في سلوك الإنسان ، أو خلل في العصر ، أي متضاعفة ، لأن العالم الغربي والشرقي يغيرون في خلق الإنسان ، عندما أطعموا الأبقار لحم الجيف ، جنت ، ألم يقل بعضهم : جنون البقر من جنون البشر ، لذلك الطب العلاجي يقتضي أن آخذ الدواء ، ثم أتوكل على الله :
(( لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله )) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
ومن جملة الأدوية الصدقة ، أنا في الموقف الكامل آخذ هذا المريض إلى أفضل طبيب ، وأدقق في تناول الدواء ، وأدفع صدقة ، وأدعو الله ، حزمة كاملة ، أي معالجة ، آخذٌ بالأسباب ، ثم توكلٌ على رب الأرباب ، آخذ بالأسباب ، والمعالجة ، ثم الصدقة ، ثم التوكل على الله .
الأستاذ معتز :
علنا في حلقة قادمة نناقش الآية الكريمة التي تقول :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾
( سورة الشعراء )
أعتقد أن الوقت حان للمادة العلمية ماذا لدينا لهذا اليوم ؟
الدكتور راتب :
هذه الحلقة فيها موضوع ، لا زلنا في التمويه ، ولكن هذا الموضوع دقيق جداً ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينتفع به الأخوة الكرام ، تقنية التمويه التي ألهمها الله سبحانه للكائنات لا حدود لها ، فبعض الكائنات تخفي نفسها باستخدام بعض المواد التي في بيئتها ، فعلى سبيل المثال هذه السمكة الصغيرة تعمل على تجهيز مكانٍ آمنٍ لها بإفراغ الرمال من المحارة الفارغة ، أما هذا الأخطبوط فيتبع الأسلوب نفسه في تمويهٍ ذكيٍ جداً ، حيث يقوم هذا الأخطبوط بجمع الأصداف التي حوله في مكانٍ واحد ، ثم يخبئ نفسه بينها ، ينتظر فريسةً تبحث عن طعامٍ لها بين هذه الأصداف ، بعد قليل سنشاهد حركة هذا السرطان المحيرة جداً ، يقطع بدقةٍ أجزاء النباتات التي اختارها من سطح البحر، ماذا سيفعل بهذه الأجزاء ؟ الآن ندقق الجواب مدهش جداً ، سيخفي نفسه ، يضع على جسمه هذا الجزء من النبات الذي قطعه، ويحضر لنفسه ملابس من الطحالب ، وهكذا يقوم بعملية تمويهٍ خارقة ، كأنه نبات ، قطّع الطحالب ووضعها على جسمه ، سرطانٌ آخر ، يضع الأغصان التي قطعها بدقةٍ على قشرة رأسه ، وهكذا يُمكنه هذا العمل من الاختباء بسهولة بين النباتات ، وهنا حقيقةٌ أخرى ، وهي إفراز سائلٍ لاصقٍ ليتمكن من إلصاق هذه الأغصان عليه ، عنده سائل لاصق ، هذه الأغصان يلصقها على جسمه ، أي خُلقت هذه الأنظمة في جسم الحيوان متناسبةً مع فطرتها التي فطرت عليها ، أما هذا السرطان الذي نراه يقطع إسفنجةٍ ويبدو فعله بالنسبة لكم أيها الأخوة مستحيلاً ، لكنه بذلك يخيط لنفسه ملابسه ، ثم يلبسها ، ودعنا نقف في هذه النقطة وقفةً متأملة ، فالسرطان لم ير نفسه في المرآة ولا مرةً واحدة ، وكذلك يفتقر إلى إمكانية التخطيط، والتفكير أيضاً ، إذاً من أين عرف هذا السرطان ضرورة عمل التمويه بالنسبة إليه ؟ هذا الكلام جوابه قال :
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ﴾
( سورة طه )
إنه يستخدم تكتيك الجندي الذي يموه نفسه تماماً بإلصاق الأغصان والأوراق عليه ، من أين تعلم السرطان التمويه بهذه الطريقة ؟
واضحٌ جداً أن هذا العمل الذي قام به هو إلهامٌ ، وبلا شك القدرة التي أعطت السرطان هذه الخصائص لحماية نفسه بهذا الشكل الذكي هي قدرة الله تعالى الذي أوجد الكائنات كلها من عدم ، هناك كائناتٌ أخرى تخفي نفسها عن طريق صنع زيٍّ لها ، الغريب في الأمر أن بينها يرقات ، أي وجودها بين الحشرات التي خرجت تواً من بيوضها ، هذه القطعة من الفسيفساء كما نرى المتحركة ليست سوى يرقةٍ صغيرة ، أمنت لنفسها تمويهاً رائعاً بزيها المكون من قطع الحجر الصغيرة التي نسقتها على جسمها كما نرى بدقةٍ عاليةٍ جداً ، أزياء اليرقة ليست نموذجاً واحداً فكما أن لها زي من قطع الحجر الصغيرة المستقيمة كما رأينا فبل قليل ، صنعت لنفسها أيضاً زياً فضفاضاً من الأوراق، إما عيدان صغيرة ، أو قطع أحجار ، أو أوراق ، هذه الكائنات دودةٌ صغيرة لا تملك أي عقلٍ ، ولا وعيٍ ، ولا تعرف شيئاً بالنسبة للعالم الخارجي ، قد خرجت تواً من البيضة ، رغم ذلك تحمل على ظهرها هذه الأثقال الكبيرة كما نرى ، ترى لماذا تفعل هذا الشيء ؟ المدافعون عن النظرية ـ نظرية التطور ـ يقفون في تحير من أمرهم تجاه هذا السؤال ، واحدٌ منهم وهو ألماني الجنسية يذكر في كتابه المسمى "ليلة الديناصورات الهادئة" ، تفسيراً لهذه التصرفات الذكية التي تظهرها الدودة ، من الأصل في هذا الإبداع الذي أوقع الإنسان في حيرة ؟ علينا أن نقبل أن هذه الأساليب كلها لا يسلكها إلا إنسانٌ ذكيٌ جداً للمحافظة على حياته ، فليس للدودة الاستطاعة في تخطيط غايةٍ منشودةٍ كما قَبِل من آمن بالتطور ، كما قبل تصرفات التمويه في الكائنات على أنها أسلوب عقلي ، وليس صاحب هذا العقل الكائنات المتموههَ ، بل القدرة الأخرى الحاكمة لها ، ها هنا الحقيقة ، لا يريد المكابرون الاعتراف بها ، إنه الله جلّ جلاله خالق السماوات والأرض ، مبدع الكون ، وهي آيةٌ دالة على عظمته الكبرى .