الإنسان عقل يدرك
خلق الإنسان2
النطفة
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهدينا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و أهلاً و مرحباً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامج : "سنريهم آياتنا" ، برنامجنا الذي يتناول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة ، ويشرفني أن أحاور فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة و أصول الدين .
دكتور كنا قد تناولنا في حلقتنا السابقة عن الإنسان من هو ؟ ولماذا وجد في هذه الدنيا ؟ وانتقلنا إلى معجزة خلقه ، وكنت قد قلت في النهاية أن الإنسان هو عقلٌ يدرك وقلبٌ يحب، حبذا لو فصلنا في هذا الموضوع .
الدكتور راتب :
الحقيقة كيان الإنسان عقلٌ يدرك ، وقلبٌ يحب ، وجسمٌ يتحرك ، العقل يشير إلى أن الله أودع في الإنسان قوةً إدراكية ، وما لم تلبَ هذه القوة الإدراكية بالعلم يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيتهُ إلى مستوىً لا يليق بهِ ، قال تعالى :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ .
( سورة الفرقان )
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾ .
( سورة المنافقون الآية : 4 )
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾
( سورة الجمعة الآية :5 )
فهناك أوصاف في القرآن الكريم لمن عطل عقله ، ولمن التفت إلى شهوته ، ولمن غفل عن سرّ وجوده ، وعن غاية وجوده .
فالإنسان عقلٌ يدرك أي أن الله أودع فيه قوةً إدراكية ، وقد نسمي حاجة العلم الحاجة العليا في الإنسان ، فإذا لباها ارتقى إلى مستوى يليق به ، الحقيقة تلبى هذه بطلب العلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرءُ عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل .
المذيع :
إذاً فأولويات الإنسان في هذه الدنيا هي العلم .
الدكتور راتب :
طلب العلم ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا ، فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة ، فيخسرهما معاً ، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة علم ، الدليل :
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَو ْنَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ﴾ ِ.
( سور ة الملك )
كيف يبحث الإنسان عن رزقه كل يوم ؟ .
أنا أرى أن المؤمن يبحث عن العلم الذي يجنبه الخطأ كل يوم ، يبحث عن سرّ وجوده ، عن غاية وجوده ، يتعرف إلى ربه من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض ، من خلال النظر في أفعال الله ، من خلال تدبر القرآن ، يبحث عن شيءٍ يسمى منهجاً يسير عليه ، افعل ولا تفعل ، ما الحرام ؟ ما الحلال ؟ ما الفرض ؟ ما الواجب ؟ ما السنة غير المؤكدة ؟ ما الشيء المستحب ؟ ما الكراهة التنزيهية ؟ ما الكراهة التحريمية ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ .
فلذلك الإنسان عقلٌ يدرك ، ما لم يبحث عن غايةِ وجوده ، عن حكمة وجوده ، عن سرّ وجوده ، عن علة وجوده ، عن حياته الأخرى حياته الدنيا ، عن المنهج التفصيلي ، افعل ولا تفعل ، كيف يأكل ؟ كيف يشرب ؟ كيف يكسب ماله ؟ هل هناك محرماتٌ في كسب المال ؟ هل هناك مصادر للمال مشروعة يرضى الله عنها ؟ كيف تكون علاقته بالأنثى ؟ يا ترى علاقة مشروعة ـ علاقة زواج ـ أم علاقة معصية ؟ كيف يعامل الناس ؟ من فوق أم بتواضع ؟ بإخلاص أم بعدم إخلاص ؟ باستقامة أم بعدم استقامة ؟ الإنسان بحاجة إلى أن يعرف الآمر ، وأن يعرف الأمر ، والإنسان إذا عرف الآمر ، ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر ، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر .
الإنسان عقلٌ يدرك ، وأي إنسانٍ لا يبحث عن الحقيقة ، ولا يسعى لها ، ولا يضع كل جهوده في الوصول إليها ، إنسان غفل عن أخطر شيءٍ فيه ، القوةُ الإدراكية ، والناحية العلمية التي ترفع الإنسان ، قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
(سورة الزمر الآية :9)
﴿ َرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ .
( سورة المجادلة الآية :11 )
و فرقٌ كبيرٌ كبير وشاسعٌ شاسع بين من يعرف ومن لا يعرف ، بين العالم وبين الجاهل ، الجهلة كمٌ كبير لا وزن لهم عند الله .
الإمام عليٌ رضي الله عنه يقول : "الناس ثلاثة ؛ عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق "، هذا ثقافة القطيع ، كمٌ كبير لا يقدم ولا يؤخر .
الأمةُ بالمتفوقين ، بالعلماء ، لذالك العلم أكبر قيمة في حياة الإنسان .
المذيع :
إذاً هل هناك وجوب لارتباط الإيمان بالعلم ؟.
الدكتور راتب :
طبعاً ، ولكن قبل أن أتابع ، أتابع نص سيدنا علي : "الناس ثلاثة ؛ عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع لم يستضيئوا بنور ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، فاحذر يا كميل أن تكون منهم " .
أي بحياة الإنسان جانب عقلي ما لم يلبَ هذا الجانب بطلب العلم ، بطلب المعرفة ، بمعرفة المنهج ، بمعرفة الله عز وجل ، بمعرفة حقيقة الإنسان ، يهبط الإنسان بمستواه .
أقول لك : الإنسان لابد له من أن يملك تصوراً صحيحاً عن حقيقة الكون ، وعن حقيقة الحياة الدنيا ، وعن حقيقة الإنسان ، يملك هذا التصور إذا اتبع هدى الله .
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ .
( سورة طه الآية :123 )
لا يضل عقله ولا تشقى نفسه.
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .
( سورة البقرة )
﴿ فمن اتبع هداي ﴾ ، لا يضل عقله و لا تشقى نفسه ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ، لو جمعنا الآيتين الذي يتبع هدى الله لا يضل عقله و لا تشقى نفسه ، و لا يندم على ما فات و لا يخشى مما هو آت ، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟ فالعقل أحد أركان الإنسان ، يلبى بطلب العلم ، و العلم قوام حياة الإنسان ، والناس رجلان عالمٌ ومتعلم ، ولا خير فيما سواهم ، كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ، ولا تكن الخامسة فتهلك ، أعدى أعداء الإنسان الجهل ، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به .
أنا أقول لك بصراحة : هناك أعداء تقليديون للأمة ، هؤلاء ليسوا أعداءها الحقيقيين ، أعداء الأمة الحقيقيون هم الجهال ، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، هذا عن العقل الذي يدرك وغذاؤه العلم ، وقيمته في حياة الإنسان .
المذيع :
في ضوء هذا الكلام الذي قلناه عن أن الإنسان عقل يدرك و قلب يحِب .
الدكتور راتب :
الإنسان كائن إن لم يشعر بحاجة إلى أن يحِب أو إلى أن يحَب ليس من بني البشر ، لأن كيان الإنسان كيانٌ انفعاليٌ عاطفي ، فلابد من أن تحِب ، و عندك رغبةٌ جامحة أن يحِبك الناس ، و لكن البطولة أن تعرف من تحِب ، إما أن تحِب جهةً تكون سبب دمارك ، و سبب هلاكك ، و إما أن تحب جهةً تكون سبب سعادتك في الدنيا و الآخرة ، فالبطولة من تحِب ؟ إن أحببتَ ما سوى الله ، ما سوى الله في قلق عميق من حبهِ لا بدّ من أن تغادره ، أو لا بدّ من أن يغادرك ، أي شيء من دون تفصيل ، أي شيءٍ ما سِوى الله إن أحببته ، و تعلقت به ، و بذلت لأجله الغالي و الرخيص مع هذا الحب هناك قلقٌ عميقٌ عميق ، هذا الشيء قد تفارقه أو يفارقك ، لكنك إذا أحببت خالق السماوات و الأرض ، الله عز وجل أزليٌ أبدي ، لذلك :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وابشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ .
(سورة فصلت)
محبة الله أصل ، محبة الأنبياء جميعاً فرع ، محبة النبي الكريم فرع ، محبةُ أصحابهِ جميعاً فرع ، محبةُ التابعين فرع ، محبة المؤمنين فرع ، محبة العلم الديني فرع ، محبةُ المساجد فرع ، محبة كتاب الله فرع ، و محبة الزوجة فرع ، إن الله يبارك هذا الزواج ، النبي عليه الصلاة و السلام يقول :
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة )) .
[ ورد في الأثر ]
فأنت عقلٌ تدرك ، و قلب يحِب ، العقل الذي يدرك ينبغي أن يصل إلى الله ، الدليل ﴿ اقْرَأْ ﴾ أي تعلم ، و لكن : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ يجب أن يقودك العلم إلى الإيمان بالله ، هذه قراءة بحثٌ و إيمان ، و هناك قراءة شكرٍ و عرفان ، و هناك قراءة وحي ًوإذعان ، و نعوذ بالله من قراءةٍ رابعة هي قراءة العدوان و الطغيان .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ .
(سورة العلق)
المذيع :
فضيلة الدكتور في ضوء هذا التقسيم هل هناك تقسيم اعتمده القرآن الكريم ؟
الدكتور راتب :
قبل أن أذكر لك التقسيم القرآني لا بد من وقفة عند تقسيمات البشر ، أنا أقول دائماً : الناس على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، و أعراقهم ، و أنسابهم ، و طوائفهم ، ومذاهبهم هم عند الله نموذجان ؛ فالبشر اعتمدوا التقسيم العرقي ، العرق الآري ، العرق السامي ، العرق الأنجلو سكسوني ، الملونون ، البيض ، دول الشمال ، دول الجنوب ، المتخلفون ، الدول النامية ، المتقدمة ، الصناعية ، المستَغِلون ، المستَغَلون ، هناك تقسيمات في الأرض لا تعد و لا تحصى ، و لكن كل هذه التقسيمات عند الله باطلة.
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة :
الله عز وجل اعتمد تقسيمين فقط ، البشر زمرتان عند الله عز وجل ، الزمرة الأولى : جهةٌ عرفت ربها فانضبطت بمنهجه ، وأحسنت إلى خلقهِ ، فسلمت و سعدت في الدنيا و الآخرة .
2 ـ ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة :
وجهةٌ غَفلت عن ربها ، و تفلتت من منهجهِ ، و أساءت إلى خلقه أي بنت مجدها على أنقاض الشعوب ، بنت غناها على فقر الشعوب ، بنت عزها على إذلال الشعوب ، بنت أمنها على إخافةِ الشعوب ، جهةٌ عرفت ربها فانضبطت بمنهجهِ ، و أحسنت إلى خلقهِ ، فسلمت و سعدت في الدنيا و الآخرة ، و جهةٌ غفلت عن ربها ففلتت من منهجه ِ، وأساءت إلى خلقه ، فشقيت وهلكت في الدنيا و الآخرة ، أنا أرى ولن تجد نموذجاً ثالثاً ، طالبني بالدليل ؟ و لولا الدليل لقال من شاءَ ما شاء ، قال تعالى :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * َمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
(سورة الليل)
النموذج الأول : صدقَ أنهُ مخلوقٌ للجنة ، و أن هذه الدنيا دار التواء و ليست دارَ استواء ، و منزلُ ترحٍ و ليست دار فرح ، و من عرفها لم يفرح برخاء و لم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، و جعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، و جعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي و يبتلي ليجزي ، هذه الدنيا ممرٌ للآخرة ، هذه الدنيا طريقٌ إلى سعادةٍ أبدية ، فلذلك ﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ ، والحسنى هي الجنة لقوله تعالى :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ .
(سورة يونس الآية:26)
صدق أنه مخلوقٌ للجنة ، أن هذه الدنيا دار عمل و ليست دار أمل ، هي دار تكليف و ليست دار تشريف ، صدق أنه مخلوقٌ للجنة ، فلما صدق أنه مخلوقٌ للجنة اتقى أن يعصي الله، و بنى حياته على العطاء ، أي بالتعبير المعاصر المؤمن إستراتيجيته العطاء ، إن أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ، اسأل نفسك ما الذي يسعدك ؟ أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إن كنت ممن يسعد بالعطاء فأنت من أهل الآخرة .
إذاً هؤلاء الفريق صدق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله ، بنى حياته على العطاء ، هذا النموذج الأول ، كيف سيكافئه الله تعالى ؟ قال :
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
( سورة الليل الآية :7)
أموره ميسرة ، زواجه موفق ، عمله موفق ، سمعته راقية ، محب لله ، يشعر بالأمن، عنده حكمة ، ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
النموذج الثاني :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
( سورة الليل )
كذب بالآخرة وصدق بالدنيا ، الدنيا عنده هي كل شيء ، هي منتهى آماله ، محط رحاله ، غاية سعيه ، لذلك قال تعالى :
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ .
(سورة الروم )
صدق بالدنيا وكذب بالحسنى ، لذلك شيء طبيعي جداً أن يستغني عن طاعة الله ، وشيء طبيعي آخر بنى حياته على الأخذ ، فلذلك يمكن أن نقسم البشر إلى أقسامٍ كثيرة .
على كلٍ موضوعٌ يحتاج إلى متابعة إن شاء الله .
المذيع :
فضيلة الدكتور عودتنا في ختام لقائنا بك ، أن نشاهد لقطات بالغة التأثير عن الإعجاز العلمي في خلق الإنسان ، ماذا سنشاهد اليوم ؟ .
الدكتور راتب :
نتابع موضوع خلق الإنسان إن شاء الله . وصلنا إلى موضوع النطفة ؛ النطفة خليةٌ موظفة لإيصال معلومة الذكر الوراثية إلى خلية البويضة في الأنثى .
إذا دققنا عن كثبٍ نرى جهازاً مصمماً بشكلٍ خاص لحمل هذه النطفة ، فالقسم الأمامي للنطفة مغطى بدرعٍ واقٍ ، وتحته درعٌ ثان ، وتحت هذا الدرع الثاني أيضاً يوجد ما يشبه الشاحنة التي تحمل النطفة ، ويوجد داخل هذه الشاحنة ثلاثةٌ وعشرونَ صبغياً عائداً للرجل ، جميع المعلومات العائدة لجسم الإنسان وأدق تفاصيله مخفيٌ في هذه الصبغيات ، ولظهور إنسانٍ جديدٍ يجب أن تتحد الصبغيات الثلاثة والعشرين الموجودة في نطفة الرجل مع الصبغيات الثلاثةِ والعشرين الموجودة في بويضة المرأة ، وهكذا سيظهر أول تكوينٍ لجسم الإنسان من ستةٍ وأربعين صيغياً ، تصميم الدرع الموجود في الجهة الأمامية للنطفة سيحمي هذا الحمل الثقيل والثمين طوال هذه المسافةِ الطويلة من جميع أنواع الأخطار ، وتصميم النطفة غير محصورٍ بهذا فقط ، فهناك في القسم الأوسط للنطفة محركٌ قويٌ جداً ويرتبط بطرف هذا المحرك قسم ذيلٍ للنطفة ، القوة التي ينتجها المحرك تدور الذيل كالمروحةِ تماماً ، وتؤمن للنطفةِ قطع الطريق بسرعة ، ولوجود هذا المحرك لابدّ له من وقودٍ لتشغيله ، وقد حُسبت هذه الحاجة أيضاً فركب له وقودٌ هو أكثر اقتصاداً أي سكر الفوكتوز على السائل الذي يحيط بالنطفة ، وهكذا فقد تمّ توفير وقود المحرك خلال الطريق الذي ستقطعه النطفة .
عند ملاحظةِ حجم النطفة بالنسبةِ إلى المسافة التي قطعتها تظهر حركتها السريعة التي تشبه قارب السباق ، هذا الجهاز المدهش ينتج بمهارةٍ كبيرة حيث يوجد داخل كل خصيةٍ مركز إنتاج النطف ، أقنية مجهرية يصل طولها إلى خمسمئة متر ، الإنتاج في هذه الأقنية يشبه تماماً نظام السكة الحديدية المستخدمة في المعامل الحديثة أيها الأخوة .
فأقسام النطفةِ من درعٍ ومحركٍ وذيلٍ تركب مع بعضها على الترتيب ، وفي النهايةِ تظهر الروعةُ الهندسية ُالكاملة تماماً .
كيف تعلمت النطف صنع الدرع والمحرك والذيل بحسب حاجةِ جسم الأم ؟ بأي عقلٍ تتركب هذه القطع بالترتيب الصحيح ؟ من أين تعلم أن النطف ستحتاج إلى سكر كوقود لهذا المحرك ؟ كيف تعلمت صنع محركٍ يعمل بهذا السكر الخاص ؟ هناك جوابٌ واحدٌ فقط لكل هذه الأسئلة هو أن هذا من خلق الله عز وجل ، فالنطف والسائل المرتب داخلها خلقه الله عز وجل بشكلٍ خاص لاستمرار نسلِ الإنسان .
في لقاءات قادمة إن شاء الله نتابع عرض فقرات من هذا الموضوع الأول في حياتنا، وهو خلق الإنسان .
المذيع :
سبحان الخالق العظيم ، يقول الله تعالى :
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ .
(سورة لقمان الآية :11 )
الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين شكراً جزيلاً لك ، وأنتم مشاهدينا إلى أن نلتقي في حلقةٍ مقبلة من برنامج "سنريهم آياتنا" نستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .