آيات خلق الإنسان وتكوينه
التمويه للفراشات
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة من برنامج : "سنريهم آياتنا" ، ويسعدني أن أرحب بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، مرحباً بكم أستاذ .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ معتز جزاك الله خيراً .
الأستاذ معتز :
أستاذ راتب على طول الحلقات السابقة تحدثنا عن الكون وفصّلنا في آياته وتشكيله ، و من ثم انتقلنا إلى الحديث عن العقل والمعرفة ، وأنهما الوسيلة لإدراك الله عز و جل ، لكن الآية التي استوحينا منها فكرة برنامجنا تقول :
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة فصلت الآية : 53 )
تحدثنا عن الآفاق ، وفصلنا فيه ، ولكن ماذا عن كلمة في أنفسهم ؟ ماذا عن خلق الإنسان وتكوينه ؟
1 ـ فرقة الاستطلاع :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحقيقة الآيات في النفس لا تعد ولا تحصى ، ولكن أخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير ، من هذه الآيات مثلاً : جهازٌ يسمى جهاز المناعة ، هذا جهازٌ هو جيشٌ بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، جيشٌ بكل مفهوماته الحديثة ، فيه خمس فرق ؛ الفرقة الأولى : فرقة الاستطلاع مهمتها استخبارية ، إذا دخل إلى الجسم جرثوم تذهب عناصر هذه الفرقة ، وهي من الكريات البيضاء ، وتتجه إلى الجرثوم ، وتأخذ شِفرته الكيماوية دون أن تقاتله ، مهمتها معلوماتية ، مهمتها استخباراتية .
2 ـ فرقة تصنيع السلاح :
إذاً : جهاز المناعة فيه خمس فرق ؛ أولى هذه الفرق فرقة الاستخبارات والمعلومات ، تأخذ شفرة هذا الجرثوم وتعود بها إلى عناصر الفرقة الثانية، إنها فرقة تصنيع السلاح ، تُعطى هذه الفرقة التي توجد في العقد اللمفاوية شفرة هذا الجرثوم ، يُصنع مصلٌ مضادٌ له ، هذا المصل يحفظ تركيبه في الذاكرة ، ولجهاز المناعة ذاكرةٌ عجيبة ، لو أن الإنسان أصيب بمرض ، وصنّع الجسم مصلاً مضاداً لهذا المرض ، وشفي من هذا المرض ، وغاب المرض سبعين عاماً ورجع ، الملف جاهز ، لولا ذاكرة هذا الجهاز لا معنى إطلاقاً للتلقيح كلياً ، الآن العالم كله يحصن الناس بالتلقيح ، لولا ذاكرة هذا الجهاز لما كان من هذا التلقيح أي جدوى ، لذلك من أسماء الله الشافي ، معنى الشافي أنه أعطى لجهاز المناعة ولا سيما لفرقة تصنيع السلاح ذاكرةً قوية ، كيف أن خلية العظم بعد أن يكتمل النمو تنام وقد تستيقظ بعد خمسين عاماً إذا كسر العظم مرةً ثانية ، إذاً هذه الفرقة فرقة تصنيع المصول المضادة ، لها ملفات محفوظة في الجسم ، لو عاد جرثوم بعد سبعين عاماً الملف جاهز ، والتصنيع سريع ، والمقاومة سريعة ، هذه الفرقة الثانية .
3 ـ فرقة المقاتلين :
أما الفرقة الثالثة فرقة المقاتلين ، عناصر هذه الفرقة تأتي إلى معامل الدفاع وتحمل السلاح المضاد لهذا الجرثوم ، وتنطلق إلى الجرثوم و تقاتله ، وتنشب معركةٌ بينه وبين الجرثوم ، حينما ينتصر جهاز المناعة تجد وزمة في الجلد ، وتجد قيحاً أبيضاً ، هذا القيح نتيجة هذه المعركة ، صار عندنا فرقة استخبارات ، فرقة تصنيع السلاح ، فرقة المقاتلين .
4 ـ فرقة التنظيف :
هناك فرقة رابعة هذه الفرقة فرقةٌ خدمية أي تُنظف أرض المعركة ، تدفن الجثث الخ...
5 ـ فرقة المغاوير :
لدينا فرقة استطلاعٍ ، وفرقة تصنيع سلاحٍ ، و فرقةٍ مقاتلةٍ ، وفرقة خدمية ، بعض العلماء اكتشف في عام سبعة وستين فرقة خامسة سنسميها مجازاً الكومندس بالتعبير الأجنبي ، أو المغاوير في التعبير المعرب ، هذه الفرقة خطيرة جداً تستطيع كشف الخلية السرطانية في وقتٍ مبكرٍ جداً وتلتهمها ، وما دامت هذه الفرقة فعالة فالإنسان قلّما يصاب بالورم الخبيث .
ثبت حديثاً أن في كل جسمٍ ملايين الخلايا السرطانية ، ولكن الخلية السرطانية عليها قامعٌ يمنعها أن تكون فعالة ، لكن هناك أشياء تفك هذا القامع ، من هذه الأشياء الشدة النفسية ، والشدة النفسية أحد أسبابها الشرك الخفي ، إنسان يعيش في حياة مخيفة، هناك أعداء، و أقوياء ، و أخطار ، و حرائق ، و أمطار مدمرة ، و أعداء أقوياء ، و أعداء حاقدون ، فالحياة كلها متاعب ، وكأن على رأس الإنسان مئة ألف سيف ، فالبعيد عن الإيمان يقلق ، ويضطرب ، ويكتئب ، وييئس أحياناً ، ويشعر بالمهانة ، أما إذا آمن بالله الإيمان الصحيح ألقى الله في قلبه الأمن ، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾
( سورة الأنعام الآية :81-82 )
المؤمن وحده ، وهذا كلام خالق الأكوان :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾
( سورة الأنعام الآية: 81-82 )
فالإنسان حينما يبتعد عن الله ، أو حينما يعصي الله ، أو حينما يشرك بالله ، يصاب بكآبة ، كآبة خوف ، من أقوياء ، من أعداء ، من مؤامرات ، من موقف مفاجئ ، من مرض مفاجئ ، من حادث سير مفاجئ ، من أشياء لا تعد ولا تحصى.
الأستاذ معتز :
دعني أنتقل إلى بعض الآيات التي ذكرت عن هذه الأشياء لدينا آية تقول :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الداريات )
هل هذا هو الإسقاط عما تحدثت ؟
الدكتور راتب :
يمكن أن تُسقط هذه الآية على هذا الجهاز الرائع ، أو مثلاً :
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ﴾
( سورة التين )
أو مثلاً :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
(سورة الداريات )
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
(سورة السجدة الآية: 7 )
الأستاذ معتز :
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ، وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، كيف خلق الإنسان في أحسن تقويم ؟
الدكتور راتب :
لولا هذه الأجهزة لما بقي إنسان صحيح ، هذه الأجهزة خطيرة جداً ، أساساً مرض الإيدز يقضي على هذا الجهاز ، الآن يوجد بالعالم ستة وسبعون مليون مصاب بهذا المرض ، بكل عشر ثواني يموت إنسان بهذا المرض ، لأن مرض الإيدز هو الذي يقضي على جهاز المناعة المكتسب ، هذا جهاز خطير جداً ، بالمناسبة مرض الإيدز إلى الآن العلاج غير موجود ، لكن الوقاية منه تتم بسهولةٍ بالغة ، يكفي أن تكون عفيفاً ، يكفي أن تكون زوجاً صالحاً لا تعرف غير زوجتك ، فأنت في حرزٍ حريز ، وفي مناعة من هذا المرض .
الأستاذ معتز :
هل هناك أي تعارض بين فكرة المرض وفكرة الخلق ، فكرة خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ؟
الدكتور راتب :
السيارة لماذا نصنعها ؟ من أجل أن تسير ، هل فيها مكبح ؟ أليس المكبح يتعارض مع علة صنعها ؟ هو يوقفها وهي صنعت لتسير ، لكن المكبح يوقفها ، هل وجود المكبح شيء ثانوي في المركبة أم شيء أساسي ؟ شيء أساسي وهو ضمان لسلامتها ، فكما أن المكبح في المركبة يتناقض مع علة صنعها وهي السير ، و نحن بحاجة ماسة إليه ، كذلك المرض هو علاجٌ إلهي لأناس شردوا عنه ، والدليل المرض ليس من الله عز و جل أصلاً قال:
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾
( سورة الشعراء )
إذاً وإذا مرضت لم يقل إذا أمرضني ، أحياناً الأمراض بسبب خطأ في الإنسان، إما خطأ في فرد أو خطأ في عصر، الملوثات ، فساد البيئة ، فساد الجو مثلاً ، فساد طبقة الأوزون ، ثاني أكسيد الكربون ، الاحتباس الحراري ، هناك أخطاء كبيرة جداً اقترفها الإنسان بدافع اللهاث وراء الصناعة والاستهلاك ، فالبلاد فقدت جمالها ، وروعتها ، على كلٍّ هذا موضوع آخر .
لكن أنا أقول : هذا الجهاز من بدائع صنع الله عزّ وجل ، والمرض كالمكبح تماماً في المركبة يتناقض مع أصل صنعها ، أي كان من الممكن أن يكون لكل جهاز في الإنسان احتياطي كبير جداً ، كهذه الطاولة نستخدمها لوضع أوراق عليها ، إذا وقف إنسان عليها تحمله ، وإنسانان ، وثلاثة ، وأربعة ، وخمسة ، لكل احتياط مليون ضعف على استعماله ، لو كان بكل جهاز في الإنسان مليون ضعف على استعماله لم يكن هناك مرض إطلاقاً ، لكن الله ثبت آلاف الأشياء تثبيتاً رائعاً ، كي تنتظم الحياة ، وحرك الصحة والرزق كي يؤدبنا بهما ، فالمرض فيه حكمة ، قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
( سورة السجدة )
الفرقة الرابعة فرقة الكومندس ، أو فرقة المغاوير ، تلتهم الخلية السرطانية ، وكل خلية في الإنسان سرطانية عليها قامع ، هذا القامع قد يفك ، ما الذي يفكه ؟ الشدّةُ النفسية، لو سألتني هل هناك آيةٌ متعلقة بالشدّة النفسية ؟ لقلنا : نعم:
﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 119 )
نفسية ؛ خوف ، قلق ، حقد ، إحباط ، والله عز و جل يبين أن الإنسان إذا أشرك بالله يصاب بالكآبة ، قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
(سورة الشعراء )
أحد أسباب العذاب أن تدعو مع الله إلهاً آخر ، أي أنت بالإيمان بالله ترتاح ، لك جهة واحدة تحبها وتحبك ، ترضيها وترضيك ، تُقبل عليها وتُقبل عليك ، تسألها فتعطيك ، تدعوها فتستجيب لك ، هي الله عز و جل ، أمرك بيده وليس بيد أعدائك ، هذا الإيمان ، أما الشرك بالعكس الأمر بيد زيد وعبيد ، زيد وعبيد أقوى مني وعندهم حقد علي ، إذاً كيف أنجو منهم ؟ هنا الإحباط .
الأستاذ معتز :
ما زلنا نناقش الإعجاز في خلق الإنسان ، وكما تحدثنا قبل قليل أريد أن أنتقل إلى الكلية كمعملٍ في جسم الإنسان ، حدثني عنها .
الدكتور راتب :
الكلية موضوع طويل جداً ، الكلية أداة فرز لحمض البول الذي في الدم ، والكلية فيها احتياط يقدر بعشرين ضعفاً تقريباً ، والكلية فيها طريق طوله مئة كيلو متر ، والدم يعبره في اليوم خمس مرات ، والكلية هي أخطر من القلب ، فالفشل الكلوي مرض مستعص .
على كلٍّ لو وازنا بين الكلية الطبيعية والكلية الصناعية لرأينا مسافة كبيرة جداً ، أي جهازٌ صغير أودعه الله في الإنسان ، لكن الكلية الصناعية تحتاج إلى وقت طويل كي يصفى الدم ، تحتاج إلى حجم كبير ، فهناك أشياء في جسم الإنسان لا يعرفها إلا من تأملها ، على كلٍّ نبقى في جهاز المناعة المكتسب ، لأنه الفرقة الأخيرة لالتهام الخلايا السرطانية حصراً ، لذلك مرض الإيدز يرافقه سرطان ، حينما يضعف هذا الجهاز ـ بالمناسبة هذا الجهاز يقويه الأمن ، والحب ـ يضعفه الخوف والقلق ، لذلك الإيمان يملأ الإنسان راحةً وطُمأنينة ، وكأن الإيمان بالله الواحد القهار صحة نفسية .
الأستاذ معتز :
إذاً هي علاقة بين الأمن والحب وهذه الحماية ، أعتقد أننا وصلنا إلى موضوعنا العلمي لهذا اليوم ، ما زلنا في التمويه ، تناولنا في الحلقة الماضية الأخطبوط ، ورأينا كيف هو في البحر ، ماذا لدينا اليوم ؟
الدكتور راتب :
لدينا الموضوع الذي عالجناه سابقاً وهو التمويه ، ولكن التمويه اليوم في الفراشات والعنكبوت ، هنا على هذا الغصن نتوءان ، لكن أحدهما في الحقيقة عنكبوت مموه ، في وقت الخطر تموه نفسها ، ليس لهذه العنكبوت إمكانية التفكير ، فكيف تتمكن من التموه بنتوء الغصن ؟ أمثلةٌ لا تنحصر بالعناكب فقط ، فمثلاً هناك حشرةٌ مختبئةٌ بين الأوراق ، إنها هنا تماماً ، نلاحظ أنه لا يوجد أي فرقٍ بينها و بين الورقة ، فجسمها كالورقة تماماً من شكل الورقة إلى عروقها خُلقت من دون أي نقصان ، يوجد هنا حشرةٌ بين هذه الأوراق الصفراء فلنحاول الآن إيجادها ، هذه حشرةٌ مموهةٌ ببراعة تامة من الصعب جداً رؤيتها على الورقة ، جناح الحشرة له تفصيلاتٌ دقيقةٌ جداً كما ترون ، حتى البقع الفاسدة على الورق الأصفر ، ولنفكر الآن قليلاً بتصميم هذا التمويه ، ليست لدى هذه الحشرات إمكانية التفكر، ولا تتعلم مدى احتياجها إلى التشبه بالورقة لبقاء حياتها حتى لو علمت لا تستطيع رسم شكل ورقةٍ عليها كما ترون ، إذاً الرسم الموجود على جناح الحشرة المصممة بشكلٍ واعٍ ، أثر من؟ رسم من ؟ إبداع من ؟ تصميم من ؟ لا شك أن هذا الرسم آيةٌ من آيات الخالق الموجد لهذه الكائنات .
كما هو معلومٌ تزعم نظرية التطور أن جميع الكائنات في الطبيعة وجدت نتيجة مصادفةٍ عمياء ، ولكن حتى التصميم الذي على أجنحة الحشرة الصغيرة لن يكن مصادفةً ، بل هو كافٍ لرؤية أثر الخالق ، لو شمر فنانٌ لرسم الورقة لا يستطيع أن يرسمها لتبدو كالحقيقة ، إلا أنها هنا ليست مجرد صورة بل هي نموذج مصغر لورقةٍ منسقةٍ بالأبعاد الثلاثية في جسم الحشرة كما ترون ، خالق هذا الكائن بهذا الشكل ، وبهذا التصميم الخارق ، يرينا فيه صنعته وقدرته ، إنه رب العوالم كلها ، الله سبحانه وتعالى ، الآن هذا الجسم المتحرك على الغصن لأول وهلة يطابق ورقة جافة شكلاً ولوناً ، هذا الذي يزعم أن الأشياء تمت صدفةً داروين ، هذا الجسم المتحرك على الغصن لأول وهلة يطابق ورقةً جافةً شكلاً ولوناً إلا أنه ليس كذلك ، بل هو شرنقة فراشةٍ جافة ، بفضل تقنية التمويه الفائقة التي وهبها الله تعالى إياها في أثناء وجودها ، هي دودةٌ في الشرنقة حيث ليس لها أي دفاع ، يتم نموها دون أن يشعر بها أعداؤها ، وتبدأ أول خطوات حياتها فراشةً جديدة كما ترون .
نشاهد الآن هذه الزهرة ؛ زهرة الأوركيد ، لكن هذا المنظر الذي ترونه ليس كله لها ، بل هناك كائنٌ آخر أيضاً منسجمٌ مع شكل الزهرة ، حتى مع تدرجات لونها ، إنه الحشرة المسماة فرس النبي ، بتمويهٍ مدهش ، ويمكن الشبه من جهة اللون والشكل والنقص ، وهو قطعاً ليس من تصميمها ، إنه خالق كل شيء الله تعالى ، تتجلى لنا صنعته مرةً أخرى بهذا المثال كما ذكر في كتابه الكريم :
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
( سورة السجدة الآية: 7 )
أما هذه العنكبوت البيضاء في طرف الزهرة في انتظار فريستها ، تحط الفراشة وسط الزهرة ، يُرى بزاويتها العنكبوت بلون أوراق الزهرة تماماً ، ولشدة التمويه تحط الفراشة على العنكبوت نفسه ظناً منها أنها الزهرة .
أيها الأخوة هذه مشاهد تأخذ بالألباب ، هذا الحيوان الأعجب ، هذه الحشرات من علمها أن تموه نفسها وكأنها جزءٌ من وردة أو جزءٌ من زهرة أو جزءٌ من غصن أو جزءٌ من بيئتها ؟ ولعل التمويه أحد أكبر وسائل الدفاع عن النفس ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحدٌ .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
( سورة آل عمران )